تحمل سيرة هذا القديس شهادة حيّة عن حيوية الرهبنة القبطية ومجدها في القرن السادس. كان هذا القديس أبًا طاهرًا كاملاً، خدم بلاده أعظم خدمة بأن قدم للكنيسة أساقفة أعلام من خلال برامج الدراسة التي كانت تُقَدم في الأديرة بهدف إعداد الرهبان لحسن تأدية رسالتهم، والذي كان هذا القديس أحد القائمين بالتعليم فيها مع غيره من الشيوخ الرهبان الذين اشتهروا بالعلم والتقوى. ليس ذلك فحسب بل أن رعايته شملت المتبتلات أيضًا فرعاهن أحسن رعاية. أسره وُلد سنة 485م، وارتحل إلى برية شيهيت وهو صبي. وقع تحت الأسر ثلاث مرّات في رهبنته المبكرة، ربما بسبب شغفه نحو الدخول إلى البرّية الداخلية. في المرة الثالثة صرع أسيره بحجر فأرداه قتيلاً وهرب. لكنه ظل تحت عذاب الضمير طوال حياته. طلب من البابا تيموثاوس الثالث (518-536م) عقوبة. وإذ حاول أن يقنعه بأن ذلك كان دفاعًا عن النفس، لأنه كان مرّ النفس جدًا، ولكنه لم يقتنع، فرحل إلى روما والقسطنطينية ثم أفسس وأورشليم وإنطاكية يسأل أساقفة هذه البلاد. وأخيرًا إذ لم يسترح سلّم نفسه للقضاء بالإسكندرية، لكن القاضي أخلى سبيله متمنيًا لو قتل سبعة من هؤلاء البرابرة العنفاء. مع الشريفة أناسطاسية لما شاع صيته أتت إليه الشريفة أناسطاسية إحدى الشماسات اللواتي هربن مع القديس أنبا ساويرس الأنطاكي إلى مصر سنة 518م. وكانت غنية جدًا. جاءت متخفية في زي الرجال وأعلمته بحقيقة أمرها، كما أنبأته بأنها هربت من وجه إمبراطور القسطنطينية الذي أراد الزواج منها. فترهبت ومكثت في مغارة بقربه مدة ثمانية وعشرين عامًا ولم يعلم بأمرها أحد. وكان أحد تلاميذ القمص دانيال يحمل إليها الخبز والماء مرة أسبوعيًا ويتركهما عند باب مغارتها. وكانت كلما ساورتها الهواجس والهموم وصفت جميع ما خالجها من مشاعر بكتابته على حجر وتتركه عند باب المغارة، فيأخذه التلميذ إلى القديس دانيال الذي يكتب لها بدوره الرد ويرسله مع التلميذ. وكان القديس يختار رسوله ممن يجهلون اليونانية التي تكتب بها القديسة أناسطاسية، فتظل اعترافاتها سرًا مكتومًا. مع أولوجيوس قاطع الأحجار في حوالي عام 525م، حدث ذات يوم أن ذهب القمص دانيال إلى المدينة ليبيع السلال التي صنعها بيديه، فأبصر إنسانًا اسمه أولوجيوس كان يقطع حجارة كل يوم بقيراط ذهب، فيقتات منه باليسير ويطعم الفقراء بالباقي ولم يكن يدخر شيئًا. فلما أبصر القديس ذلك استحسن سيرته وطلب من الله أن يعطيه مالاً ليزداد في عمل الخير والرحمة، وسمع له الله. وجد أولوجيوس كنزًا أثناء عمله في الحجارة وأخذه ومضى إلى القسطنطينية، وسعى بماله حتى صار وزيرًا وترك عمل الخير. فلما سمع بخبره القديس دانيال قصد القسطنطينية، وعرف سيرته وما صار إليه من عدم الخير. حاول القديس الالتقاء به لكن الجند منعوه. ثم رأى رؤيا كأن السيد المسيح جالس يحكم بين الناس، وكأنه أمر بتعليق القديس دانيال وطالبه بنفس أولوجيوس. ولما استيقظ من نومه عاد إلى ديره وسأل الله عن أولوجيوس أن يعيده إلى ما كان عليه. فظهر له ملاك الرب ونهاه أن يتعرض لحكم الله في خلقه. بعد هذا حدثت مؤامرة ضد يوستنيان سنة 532م، اشترك فيها أولوجيوس، وإذ أراد الإمبراطور البطش به هرب من القسطنطينية إلى مصر لينجو بنفسه. عاد إلى بلده يقطع الحجارة كما كان أولاً. فاجتمع به الأنبا دانيال وقصَّ عليه ما حل به بسببه، فعزاه وسنده ورده إلى محبة الفقراء. القديسة أناسيمون كشف القديس دانيال عن شخصية القديسة أناسيمون الملكة التي تخفّت في شخصية هبيلة لتعيش محتقرة في إحدى أديرة البنات بمصر. كما كشف عن شخصية قديس عظيم يُسمى مرقس كان يتسوّل أمام دار البطريركية. اللص التائب أراد لص أن يسرق أموال دير للراهبات، فتقمص شخصية أنبا دانيال، ودخل الدير ليلاًَ. سألته الراهبات أن يصلّي من أجل راهبة عمياء، وإذ لم يكن مسيحيًا قال لهن أن يغسلن وجهها بالماء الذي غسلن به قدميه. وإذ انفتحت عيناها تأثر اللص جدًا، وخرج إلى القديس أنبا دانيال الذي استقبله ببشاشة وأعلمه أنه كان معه بالروح حين دخل دير الراهبات. آمن اللص بالمسيحية وتتلمذ على يدي أنبا دانيال. تعرضه للاضطهاد تعرض القديس للضرب حتى كاد يفارق الحياة، وذلك لأنه شجب طومس لاون وعقيدة مجمع خلقيدونية أمام مندوب الملك يوستنيان. اضطر إلى الهروب إلى مدينة تامبولا (حاليًا مركز شبراخيت) حيث أقام بجوارها ديرًا مكث فيه حتى مات يوستنيان عام 565م. مع أندرونيكس وزوجته أثناسيا كانا من أثرياء إنطاكية، مات أولادهما جميعًا فجأة فدخلا في حزنٍٍ شديدٍ. لكنهما عادا إلى حياة التسليم للَّه، وقرّرا الرهبنة. جاء الزوج إلى القديس أنبا دانيال الذي نصحه أن يستودع زوجته في إحدى أديرة الراهبات ثم يعود إليه. تتلمذ على يدي أنبا دانيال لمدة 12 عامًا. وإذ أراد زيارة الأماكن المقدسة التقى براهبٍ يود الذهاب إلى أورشليم، فتحدثا معًا في الطريق، وتعاهدا أن يعيشا معًا عند عودتهما. وبالفعل سكنا في الدير الثامن عشر بالإسكندرية (اوكتوكا يديكاثون). وبقيا هناك 12 عامًا، وكان القديس دانيال يفتقدهما. أخيرًا تنيح الراهب واكتشف أندرونيكوس أن الراهب هو زوجته أثناسيا، فأقام في قلايتها. اهتمامه بالرهبان والراهبات عاش القديس دانيال قمص شيهيت أربعين سنة ونصف في الصحاري مداومًا على الصلاة والصوم، مهتمًا بالرهبان والراهبات الخاضعين لرئاسته. وقد نال هذا القديس أحزانًا كثيرةً في سبيل الإيمان، وأظهر الله على يديه آيات كثيرة، وعرف زمان انتقاله من هذا العالم، فجمع الرهبان وأوصاهم وثبتهم وعزاهم ثم تنيّح بسلام في الثامن من شهر بشنس. القمص تادرس: الكنيسة القبطية الأرثوذكسية والروحانية، 1987م، ص70.